سورة آل عمران - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)}
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في قوله: {إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} قال: كان أبو هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير نساء ركبن الإبل نساء قريش. أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده». قال أبو هريرة: ولم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط. أخرجه الشيخان بدون الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن مردويه عن علي «سمعت رسول الله يقول: خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل نساء العالمين خديجة، وفاطمة، ومريم، وآسية امرأة فرعون».
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى على نساء العالمين أربعاً: آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم».
وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن حبان والحاكم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وآسية ارمأة فرعون» وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن. مرسلاً.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير عن أبي موسى قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء: إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن فاطمة رضي الله عنها قالت: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم البتول».
وأخرج ابن جرير عن عمار بن سعد قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين».
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية امرأة فرعون».
وأخرج ابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أربع نسوة سيدات عالمهن: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضلهن عالماً فاطمة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاطمة سيدة نساء العالمين بعد مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة ابنة خويلد».
وأخرج ابن أبي شيبة عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير نساء ركبن الإبل نساء قريش. أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على بعل في ذات يده، ولو علمت أن مريم ابنة عمران ركبت بعيراً ما فضلت عليها أحداً».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {إن الله اصطفاك وطهرك} قال: جعلك طيبة ايماناً.
وأخرج ابن حاتم عن السدي {وطهرك} قال: من الحيض {واصطفاك على نساء العالمين} قال: على نساء ذلك الزمان الذي هم فيه.
وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق قال: كانت مريم حبيساً في الكنيسة ومعها في الكنيسة غلام اسمه يوسف، وقد كان أمه وأبوه جعلاه نذيراً حبيساً فكانا في الكنيسة جميعاً، وكانت مريم إذا نفذ ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما فانطلقا إلى المفازة التي فيها الماء، فيملآن ثم يرجعان والملائكة في ذلك مقبلة على مريم {يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} فإذا سمع ذلك زكريا قال: إن لابنة عمران لشأنا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {يا مريم اقنتي لربك} قال: اطيلي الركود يعني القيام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: لما قيل لها {اقنتي لربك} قامت حتى ورمت قدماها.
وأخرج ابن جرير عن الأوزاعي قال: كانت مريم تقوم حتى يسيل القيح من قدميها.
وأخرج ابن عساكر عن ابن سعيد قال: كانت مريم تصلي حتى ترم قدماها.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير {اقنتي لربك} قال: اخلصي.
وأخرج عن قتادة قال: {اقنتي لربك} قال: أطيعي ربك.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود أنه كان يقرأ {واركعي واسجدي في الساجدين}.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {وما كنت لديهم} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} قال: إن مريم عليها السلام لما وضعت في المسجد اقترع عليها أهل المصلى وهم يكتبون الوحي، فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها فقال الله لمحمد: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} قال: ألقوا أقلامهم في الماء فذهبت مع الجرية، وصعد قلم زكريا فكفلها زكريا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال: ألقوا أقلامهم يقال: عصيهم تلقاء جرية الماء، فاستقبلت عصا زكريا عليه السلام جرية الماء فقرعهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: {أقلامهم} قال: التي يكتبون بها التوراة.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد. مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء {أقلامهم} يعني قداحهم.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما وهب الله لزكريا يحيى، وبلغ ثلاث سنين بشر الله مريم بعيسى. فبينما هي في المحراب إذ قالت الملائكة- وهو جبريل وحده- {يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك} من الفاحشة {واصطفاك} يعني اختارك {على نساء العالمين} عالم امتها {يا مريم اقنتي لربك} يعني صلي لربك يقول: اركدي لربك في الصلاة بطول القيام، فكانت تقوم حتى ورمت قدماها {واسجدي واركعي مع الراكعين} يعني مع المصلين مع قراء بيت المقدس.
يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} يعني بالخبر {الغيب} في قصة زكريا ويحيى ومريم {وما كنت لديهم} يعني عندهم {إذ يلقون أقلامهم} في كفالة مريم ثم قال يا محمد يخبر بقصة عيسى {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا} يعني مكيناً عند الله في الدنيا من المقربين في الآخرة {ويكلم الناس في المهد} يعني في الخرق {وكهلاً} ويكلمهم كهلاً إذا اجتمع قبل أن يرفع إلى السماء {ومن الصالحين} يعني من المرسلين.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن وهب قال: لما استقر حمل مريم وبشرها جبريل. وثقت بكرامة الله واطمأنت، فطابت نفساً واشتد ازرها، وكان معها في المحررين ابن خال لها يقال له يوسف، وكان يخدمها من وراء الحجاب، ويكلمها ويناولها الشيء من وراء الحجاب وكان أول من اطلع على حملها هو، واهتم لذلك واحزنه، وخاف منه البلية التي لا قبل بها، ولم يشعر من اين اتيت مريم، وشغله عن النظر في أمر نفسه وعمله لأنه كان رجلاً متعبداً حكيماً، وكان من قبل أن تضرب مريم الحجاب على نفسها تكون معه، ونشأ معها.
وكانت مريم إذا نفد ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما ثم انطلقا إلى المفازة التي فيها الماء، فيملآن قلتيهما ثم يرجعان إلى الكنيسة والملائكة مقبلة على مريم بالبشارة {يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك} فكان يعجب يوسف ما يسمع. فلما استبان ليوسف حمل مريم وقع في نفسه من أمرها حتى كاد أن يفتتن، فلما أراد أن يتهمها في نفسه ذكر ما طهرها الله واصطفاها، وما وعد الله أمها أنه يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم، وما سمع من قول الملائكة {يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك} فذكر الفضائل التي فضلها الله تعالى بها وقال: إن زكريا قد أحرزها في المحراب قلا يدخل عليها أحد وليس للشيطان عليها سبيل فمن أين هذا؟
فلما رأى من تغير لونها، وظهور بطنها، عظم ذلك عليه، فعرض لها فقال: يا مريم هل يكون زرع من غير بذر؟ قالت: نعم.
قال: وكيف ذلك؟! قالت: إن الله خلق البذر الأول من غير نبات، وأنبت الزرع الأول من غير بذر، ولعلك تقول: لولا أنه استعان عليه بالبذر لغلبه حتى لا يقدر على أنه يخلقه ولا ينبته. قال يوسف: أعوذ بالله أن أقول ذلك. قد صدقت وقلت بالنور والحكمة، وكما قدر أن يخلق الزرع الأول وينتبه من غير بذر، يقدر على أن يجعل زرعاً من غير بذر، فاخبريني هل ينبت الشجر من غير ماء ولا مطر؟ قالت: ألم تعلم أن للبذور والزرع والماء والمطر والشجر خالقاً واحداً! فلعلك تقول لولا الماء والمطر لم يقدر على أن ينبت الشجر. قال: أعوذ بالله أن أقول ذلك! قد صدقت. فاخبريني هل يكون ولد أو رجل من غير ذكر؟ قالت: نعم. قال: وكيف ذلك؟ قالت: ألم تعلم أن الله خلق آدم وحواء امرأته من غير حبل ولا أنثى ولا ذكر قال: بلى. فاخبريني خبرك؟ قالت: بشرني الله {بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم} إلى قوله: {ومن الصالحين} فعلم يوسف أن ذلك أمر من الله لسبب خير أراده بمريم، فسكت عنها.
فلم تزل على ذلك حتى ضربها الطلق، فنوديت أن أخرجي من المحراب فخرجت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك} قال: شافهتها الملائكة بذلك.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يبشرك بكلمة منه} قال: عيسى هو الكلمة من الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا عيسى ومحمد عليهما السلام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم قال: المسيح الصديق.
وأخرج ابن جرير عن سعيد قال: إنما سمي المسيح لأنه مسح بالبركة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن عبد الرحمن الثقفي. أن عيسى كان سائحاً ولذلك سمي المسيح. كان يمسي بأرض ويصبح بأخرى، وانه لم يتزّوج حتى رفع.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {ومن المقربين} يقول: ومن المقربين عند الله يوم القيامة.


{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج قال: بلغني عن ابن عباس قال: {المهد} مضجع الصبي في رضاعه.
وأخرج البخاري وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى عليه السلام، وكان من بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي فجاءته أمه فدعته فقال: أجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات. وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعياً فامكنته من نفسها، فولدت غلاماً فقالت: من جريج0000 فأتوه فكسروا صومعته، وانزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى، ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي0000فقالوا له: نبني صومعتك من ذهب قال: لا. إلا من طين.
وكانت امرأة ترضع ابناً لها من بني اسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت: اللهم اجعل ابني مثله. فترك ثديها واقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله. ثم أقبل على ثديها يمصه، ثم مرا بأمة تجزر ويلعب بها فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه. فترك ثديها فقال: اجعلني مثلها فقالت: لم ذاك0000؟! فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون لها زنَيْت وتقول حسبي الله، ويقولون سرَقْتِ وتقول حسبي الله».
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم يتكلم في المهد إلا عيسى، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وابن ماشطة فرعون».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {ويكلم الناس في المهد وكهلاً} قال: يكلمهم صغيراً وكبيراً.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس {وكهلاً} قال: في سن كهل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: (الكهل)الحليم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب قال: (الكهل)منتهى الحلم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: قد كلمهم عيسى عليه السلام في المهد، وسيكلمهم إذا أقبل الدجال، وهو يومئذ كهل.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: {كذلك الله يخلق ما يشاء} أي يصنع ما أراد، ويخلق ما يشاء من بشر {إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} مما يشاء، فيكون كما أراد.


{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ويعلمه الكتاب} قال: الخط بالقلم.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {ويعلمه الكتاب} قال: بيده.
وأخرج ابن المنذر بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال: عندما ترعرع عيسى جاءت به أمه إلى الكتاب فدفعته إليه فقال: قل بسم. قال عيسى: الله. فقال المعلم: قل الرحمن. قال عيسى: الرحيم فقال المعلم: قل أبو جاد. قال: هو في كتاب. فقال عيسى: أتدري ما ألف؟ قال: لا. قال الآء الله. أتدري ما باء؟ قال: لا. قال: بهاء الله. أتدري ما جيم؟ قال: لا. قال جلال الله. أتدري ما اللام؟ قال: لا. قال: آلاء الله. فجعل يفسر على هذا النحو.
فقال المعلم: كيف أعلم من هو أعلم مني؟! قالت: فدعه يقعد مع الصبيان. فكان يخبر الصبيان بما يأكلون، وما تدخر لهم أمهاتهم في بيوتهم.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري وابن مسعود مرفوعاً: قال: إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم: اكتب بسم الله قال له عيسى: وما بسم؟ قال له المعلم: ما أدري؟! قال له عيسى: الباء بهاء الله، والسين سناؤه، والميم مملكته، والله إله الآلهة، والرحمن رحمن الآخرة والدنيا، والرحيم رحيم الآخرة. أبو جاد: الألف. الآء الله، والباء بهاء الله، جيم جلال الله، دال الله الدائم. هوَّزَ: الهاء الهاوية، واو ويلٌ لأهل النار واد في جهنم، زاي زين أهل الدنيا، حطي، حاء الله الحكيم، طاء الله الطالب لكل حق يرده، أي أهل النهار وهو الوجع. كلمن: الكاف الله الكافي، لام: الله القائم، ميم، الله المالك، نون الله البحر، سعفص: سين، السلام، صاد الله الصادق، عين الله العالم، فاء الله ذكر كلمة صاد الله الصمد.
قرشت قاف الجبل المحيط بالدنيا الذي اخضرت منه السماء، راء رياء الناس بها، سين ستر الله، تاء تمت أبداً. قال ابن عدي: هذا الحديث باطل بهذا الإسناد لا يرويه غير إسماعيل بن يحيى.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس، أن عيسى ابن مريم أمسك عن الكلام بعد إذ كلمهم طفلاً حتى بلغ ما يبلغ الغلمان، ثم أنطقه الله بعد ذلك بالحكمة والبيان، فأكثر اليهود فيه وفي أمه من قول الزور، فكان عيسى يشرب اللبن من أمه، فلما فطم أكل الطعام، وشرب الشراب، حتى بلغ سبع سنين أسلمته أمه لرجل يعلمه كما يعلم الغلمان، فلا يعلمه شيئاً إلا بدره عيسى إلى عمله قبل أن يعلمه إياه.
فعلمه أبا جاد فقال عيسى: ما أبو جاد؟ قال المعلم: لا أدري! فقال عيسى: فكيف تعلمني ما لا تدري؟! فقال المعلم: إذن فعلمني.
قال له عيسى: فقم من مجلسك فقام، فجلس عيسى مجلسه فقال عيسى: سلني000فقال المعلم: فما أبو أبجد؟ فقال عيسى: الألف الآء الله، باء بهاء الله، جيم بهجة وجماله. فعجب المعلم من ذلك، فكان أول من فسر أبجد عيسى ابن مريم عليه السلام.
قال وسأل عثمان بن عفان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله ما تفسير أبي جاد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا تفسير أبي جاد فإن فيه الأعاجيب كلها، ويل لعالم جهل تفسيره. فقيل يا رسول الله وما تفسير أبي جاد؟ قال: الألف آلاء الله، والباء بهجة الله وجلاله، والجيم مجد الله، والدال دين الله».
هوَّز الهاء الهاوية ويل لمن هوى فيها، والواو ويل لأهل النار، والزاي الزاوية يعني زوايا جهنم.
حطي: الحاء حط خطايا المستغفرين في ليلة القدر وما نزل به جبريل مع الملائكة إلى مطلع الفجر، والطاء طوبى لهم وحسن مآب وهي شجرة غرسها الله بيده، والياء يد الله فوق خلقه. كلمن: الكاف كلام الله لا تبديل لكلماته، واللام إلمام أهل الجنة بينهم بالزيارة والتحية والسلام وتلاوم أهل النار بينهم، والميم ملك الله الذي لا يزول ودوام الله الذي لا يفنى، ونون {نون والقلم وما يسطرون} [ القلم: 1-2] صعفص: الصاد صاع بصاع، وقسط بقسط، وقص بقص، يعني الجزاء بالجزاء، وكما تدين تدان، والله لا يريد ظلماً للعباد.
قرشت: يعني قرشهم فجمعهم يقضي بينهم يوم القيامة وهم لا يظلمون.
ذكر نبذ من حكم عيسى عليه السلام.
أخرج ابن المبارك في الزهد أخبرنا ابن عيينة عن خلف بن حوشب قال: قال عيسى عليه السلام للحواريين: كما ترك لكم الملوك الحكمة فكذلك اتركوا لهم بالدنيا.
وأخرج ابن عساكر عن يونس بن عبيد قال: كان عيسى ابن مريم عليه السلام يقول: لا يصيب أحد حقيقة الإيمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد عن ثابت البناني قال: قيل لعيسى عليه السلام لو اتخذت حماراً تركبه لحاجتك؟ فقال: أنا أكرم على الله من أن يجعل لي شيئاً يشغلني به.
وأخرج ابن عساكر عن مالك بن دينار قال: قال عيسى: معاشر الحواريين إن خشية الله وحب الفردوس يورثان الصبر على المشقة، ويباعدان من زهرة الدنيا.
وأخرج ابن عساكر عن عتبة بن يزيد قال: قال عيسى ابن مريم: يا ابن آدم الضعيف اتّق الله حيثما كنت، وكل كسرتك من حلال، واتخذ المسجد بيتاً، وكن فيه الدنيا ضعيفاً، وعوّد نفسك البكاء، وقلبك التفكر، وجسدك الصبر، ولا تهتم برزقك غداً فإنها خطيئة تكتب عليك.
وأخرج ابن أبي الدنيا والأصبهاني في الترغيب عن محمد بن مطرف. أن عيسى قال: فذكره.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن وهيب المكي قال: بلغني أن عيسى عليه السلام قال: أصل كل خطيئة حب الدنيا. ورب شهوة أورثت أهلها حزناً طويلاً.
وأخرج ابن عساكر عن يحيى بن سعيد قال: كان عيسى يقول: اعبروا الدنيا ولا تعمروها، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، والنظر يزرع في القلب الشهوة.
وأخرج أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن سفيان بن سعيد قال: كان عيسى عليه السلام يقول: حب الدنيا أصل كل خطيئة، والمال فيه داء كبير. قالوا: وما داؤه؟ قال: لا يسلم من الفخر والخيلاء. قالوا: فإن سلم؟ قال: يشغله اصلاحه عن ذكر الله.
وأخرج ابن المبارك عن عمران الكوفي قال: قال عيسى ابن مريم للحواريين: لا تأخذوا ممن تعلمون الأجر الأمثل الذي أعطيتموني، ويا ملح الأرض لا تفسدوا فإن كل شيء إذا فسد فإنما يداوى بالملح، وإن الملح إذا فسد فليس له دواء، واعلموا أن فيكم خصلتين من الجهل: الضحك من غير عجب، والصبيحة من غير سهر.
وأخرج الحكيم الترمذي عن يزيد بن ميسرة قال: قال عيسى عليه السلام: بالقلوب الصالحة يعمر الله الأرض، وبها يخرب الأرض إذا كانت على غير ذلك.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن مالك بن دينار قال: كان عيسى ابن مريم عليه السلام إذا مر بدار وقد مات أهلها وقف عليها فقال: ويح لأربابك الذين يتوارثونك كيف لم يعتبروا فعلك باخوانهم الماضين؟!
وأخرج البيهقي عن مالك بن دينار قال: قالوا لعيسى عليه السلام يا روح الله ألا نبني لغ بيتا؟ قال: بلى. ابنوه على ساحل البحر قالوا: إذن يجيء الماء فيذهب به قال: أين تريدون؟ تبنون لي على القنطرة؟
وأخرج أحمد في الزهد عن بكر بن عبد الله قال: فقد الحواريون عيسى عليه السلام فخرجوا يطلبونه فوجدوه يمشي على الماء فقال بعضهم: يا نبي الله أنمشي إليك؟ قال: نعم. فوضع رجله ثم ذهب يضع الأخرى فانغمس فقال: هات يدك يا قصير الإيمان. لو أن لابن آدم مثقال حبة أو ذرة من اليقين إذن لمشى على الماء.
وأخرج أحمد عن عبد الله بن نمير قال: سمعت أن عيسى عليه السلام قال: كانت ولم أكن، وتكون ولا أكون فيها.
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال: لما بعث عيسى عليه السلام اكب الدنيا على وجهها، فلما رفع رفعها الناس بعده.
وأخرج عبد الله ابنه في زوائده عن الحسن قال: قال عيسى عليه السلام: إني اكببت الدنيا لوجهها، وقعدت على ظهرها، فليس لي ولد يموت، ولا بيت يخرب. قالوا له: أفلا نتخذ لك بيتاً قال: ابنوا لي على سبيل الطريق بيتاً قالوا: لا يثبت! قالوا: أفلا نتخذ لك زوجة؟ قال: ما أصنع بزوجة تموت؟
وأخرج أحمد عن خيثمة قال: مرت امرأة على عيسى عليه السلام فقالت: طوبى لثدي أرضعك، وحجر حملك.
فقال عيسى عليه السلام: طوبى لمن قرأ كتاب الله ثم عمل بما فيه.
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال: أوحى الله إلى عيسى عليه الصلاة والسلام: إني وهبت لك حب المساكين ورحمتهم، تحبهم ويحبونك، ويرضون بك إماماً وقائداً، وترضى بهم صحابة وتبعاً، وهما خلقان.
اعلم أن من لقيني بهما لقيني بأزكى وأحبها إليّ.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن ميمون بن سياه قال: قال عيسى ابن مريم: يا معشر الحواريين اتخذوا المساجد مساكن، واجعلوا بيوتكم كمنازل الأضياف. فما لكم في العالم من منزل، إن أنتم الا عابري سبيل.
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه أن عيسى عليه السلام قال: بحق أن أقول لكم أن أكناف السماء لخالية من الأغنياء، ولدخول جمل في سم الخياط أيسر من دخول غني الجنة.
وأخرج عبد الله في زوائده عن جعفر بن حرفاس أن عيسى ابن مريم قال: رأس الخطيئة حب الدنيا، والخمر مفتاح كل شر، والنساء حبالة الشيطان.
وأخرج أحمد عن سفيان قال: قال عيسى عليه السلام: إن للحكمة أهلاً. فإن وضعتها في غير أهلها أضعتها، وإن منعتها من أهلها ضيعتها. كن كالطبيب يضع الدواء حيث ينبغي.
وأخرج أحمد عن محمد بن واسع أن عيسى ابن مريم قال يا بني إسرائيل إني أعيذكم بالله أن تكونوا عاراً على أهل الكتاب. يا بني إسرائيل قولكم شفاء يذهب الداء، وأعمالكم داء لا تقبل الدواء.
وأخرج أحمد عن وهب قال: قال عيسى لاحبار بني إسرائيل: لا تكونوا للناس كالذئب السارق، وكالثعلب الخدوع، وكالحدأ الخاطف.
وأخرج أحمد عن مكحول قال: قال عيسى ابن مريم: يا معشر الحواريين أيكم يستطيع أن يبني على موج البحر داراً؟ قالوا: يا روح الله ومن يقدر على ذلك! قال: إياكم والدنيا فلا تتخذوها قراراً.
وأخرج أحمد عن زياد أبي عمرو قال: بلغني أن عيسى عليه السلام قال: إنه ليس بنافعك أن تعلم ما لم تعلم، ولما تعلم بما قد علمت. إن كثرة العلم لا تزيد إلا كبراً إذا لم تعمل به.
وأخرج أحمد عن إبراهيم بن الوليد العبدي قال: بلغني أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال: الزهد يدور في ثلاثة أيام: أمس خلا وعظت به، واليوم زادك فيه، وغدا لا تدري مالك فيه. قال والأمر يدور على ثلاثة: أمر بأن لك رشده فاتَّبِعْهُ، وأمر بان لك غِيَّهُ فاجْتَنِبْهُ، وأمر أشكل عليك فَكِلْهُ إلى الله عز وجل.
وأخرج أحمد عن قتادة قال: قال عيسى عليه الصلاة والسلام: سلوني فإن قلبي لين، وإني صغير في نفسي.
وأخرج أحمد عن بشير الدمشقي قال: مر عيسى عليه الصلاة والسلام بقوم فقال: اللهم اغفر لنا ثلاثاً فقالوا: يا روح الله انا نريد أن نسمع منك اليوم موعظة، ونسمع منك شيئاً لم نسمعه فيما مضى؟ فأوحى الله إلى عيسى أن قل لهم «إني من أغفر له مغفرة واحدة أصلح له بها دنياه وآخرته».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن خيثمة قال: كان عيسى عليه السلام إذا دعا القراء قام عليهم ثم قال: هكذا اصنعوا بالقراء.
وأخرج أحمد عن يزيد بن ميسرة قال: قال عيسى عليه السلام: إن أحببتم أن تكونوا أصفياء الله، ونور بني آدم من خلقه فاعفوا عمن ظلمكم، وعودوا من لا يغودكم، واحسنوا إلى من لا يحسن إليكم، وأقرضوا من لا يجزيكم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن عبيد بن عمير، أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان يلبس الشعر، ويأكل من ورق الشجر، ويبيت حيث أمسى، ولا يرفع غداء ولا عشاء لغد، ويقول: يأتي كل يوم برزقه.
وأخرج أحمد عن وهب قال: قال عيسى ابن مريم: يا دار تخربين ويفنى سكانك، ويا نفس اعملي ترزقي، ويا جسد انصب تسترح.
وأخرج أحمد عن وهب ابن منبه قال: قال عيسى ابن مريم للحواريين: بحق أقول لكم- وكان عيسى عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يقول بحق- أقول لكم: إن أشدكم حباً للدنيا أشدكم جزعاً على المصيبة.
وأخرج أحمد عن عطاء الأزرق قال: بلغنا أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال: يا معشر الحواريين كلوا خبز الشعير، ونبات الأرض، والماء القراح، وإياكم وخبر البر، فإنكم لا تقومون بشكره، واعلموا أن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة، واشد مرارة الدنيا حلاوة الآخرة.
وأخرج ابنه في زوائده عن عبد الله بن شوذب قال: قال عيسى ابن مريم: جودة الثياب من خيلاء القلب.
وأخرج أحمد عن سفيان قال: قال عيسى عليه الصلاة والسلام: إني ليس أحدثكم لتعجبوا إنما أحدثكم لتعلموا.
وأخرج ابنه عن أبي حسان قال: قال عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام: كن كالطيب العالم يضع دواءه حيث ينفع.
وأخرج ابنه عن عمران بن سليمان قال: بلغني أن عيسى ابن مريم قال: يا بني إسرائيل تهاونوا بالدنيا تَهُن عليكم، وأهينوا الدنيا تكرم الآخرة عليكم، ولا تكرموا الدنيا فتهون الآخرة عليكم، فإن الدنيا ليست بأهل الكرامة، وكل يوم تدعو للفتنة والخسارة.
وأخرج ابن المبارك وأحمد عن أبي غالب قال في وصية عيسى عليه الصلاة والسلام: يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالمقت لهم، والتمسوا رضاه بسخطهم. قالوا: يا نبي الله فمن نجالس؟ قال: جالسوا من يزيد في علمكم منطقه، ومن يذكركم الله رؤيته، ويزهدكم في الدنيا عمله.
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال: أوحى الله إلى عيسى «عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس، وإلا فاستحي مني».
وأخرج أحمد عن وهب قال: قال عيسى للحواريين: بقدر ما تنصبون هاهنا تستريحون ههنا، وبقدر ما تستريحون هاهنا تنصبون ههنا.
وأخرج ابن المبارك وأحمد عن سالم بن أبي الجعد قال: قال عيسى عليه الصلاة والسلام: طوبى لمن خزن لسانه، ووسعه بيته، وبكى من ذكر خطيئته.
وأخرج ابن المبارك وابن شيبة وأحمد عن هلال بن يساف قال: كان عيسى يقول: إذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها عن شماله، وإذا صام فلْيَدَّهِنْ وليمسح شفتيه من دهنه حتى ينظر إليه الناظر فلا يرى أنه صائم، وإذا صلى فليدن عليه ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق.
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا عن خالد الربعي قال: ثبت أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه: أرأيتم لو أن أحدكم أتى على أخيه المسلم وهو نائم وقد كشفت الريح بعض ثوبه؟ فقالوا: إذا كنا نرده عليه قال: لا. بل تكشفون ما بقي، مثل ضربه للقوم يسمعون الرجل بالسيئة فيذكرون أكثر من ذلك.
وأخرج أحمد عن أبي الجلد قال: قال عيسى ابن مريم: فكرت في الخلق فإذا من لم يخلق كان أغبط عندي ممن خلق. وقال: لا تنظروا إلى ذنوب الناس كأنكم أرباب ولكن انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد. والناس رجلان: مبتلى، ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي الهذيل قال: لقي عيسى يحيى فقال: أوصني قال: لا تغضب قال: لا أستطيع قال: لا تفتن مالا قال: أما هذا لعله.
وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال: مر عيسى عليه السلام والحواريون رضي الله تعالى عنهم على جيفة كلب فقالوا: ما أنتن هذا! فقال: ما أشد بياض أسنانه. يعظهم وينهاهم عن الغيبة.
وأخرج أحمد عن الأوزاعي قال: كان عيسى يحب العبد يتعلم المهنة يستغني بها عن الناس، ويكره العبد يتعلم العلم يتخذه مهنة.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي الدنيا عن سالم بن أبي الجهد قال: قال عيسى عليه السلام: اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم. انظروا إلى هذا الطير يغدو ويروح لا يحرث، ولا يحصد، الله تعالى يرزقها. فإن قلتم نحن أعظم بطوناً من الطير فانظروا إلى هذه الأباقر من الوحش والحمر، تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد، الله تعالى يرزقها. اتقوا فضول الدنيا فإن فضول الدنيا عند الله رجز.
وأخرج عن وهب قال: إن إبليس قال لعيسى: زعمت أنك تحيي الموتى فإن كنت كذلك فادع الله أن يرد هذا الجبل خبزاً فقال له عيسى: أوكل الناس يعيشون بالخبز؟ قال: فإن كنت كما تقول فثب من هذا المكان فإن الملائكة ستلقاك قال: إن ربي أمرني لا أجرب نفسي، فلا أدري هل يسلمني أم لا.
وأخرج أحمد عن سالم بن أبي الجعد أن عيسى ابن مريم كان يقول: للسائل حق وإن أتاك على فرس مطوق بالفضة.
وأخرج عن بعضهم قال أوحى الله إلى عيسى: إن لم تطب نفسك أن تصفك الناس بالزاهد فيَّ لم أكتبك عندي راهباً، فما يضرك إذا بغضك الناس وأنا عنك راض، وما ينفعك حب الناس وأنا عليك ساخط؟
وأخرج أحمد عن الحضرمي وابن أبي الدنيا وابن عساكر عن فضيل بن عياض قالا: قيل لعيسى ابن مريم بأي شيء تمشي على الماء؟ قال: بالإيمان واليقين قالوا: فانا آمنا كما آمنت، وأيقنا كما أيقنت. قال: فامشوا اذن. فمشوا معه فجاء الموج فغرقوا، فقال لهم عيسى: ما لكم؟ قالوا: خفنا الموج قال: الا خفتم رب الموج فاخرجهم ثم ضرب بيده إلى الأرض فقبض بها ثم بسطها، فإذا في احدى يديه ذهب وفي الأخرى مدر فقال: أيهما أحلى في قلوبكم؟ قالوا: الذهب قال: فانهما عندي سواء.
وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وأحمد وابن عساكر عن الشعبي قال: كان عيسى ابن مريم إذا ذكر عنده الساعة صاح ويقول: لا ينبغي لابن مريم إذا تذكر عنده الساعة فيسكت.
وأخرج أحمد وابن عساكر عن مجاهد قال: كان عيسى عليه السلام يلبس الشعر، ويأكل الشجر، ولا يخبئ اليوم لغد، ويبيت حيث آواه الليل. ولم يكن له ولد فيموت، ولا بيتّ فيخرب.
وأخرج ابن عساكر عن الحسن: أن عيسى رأس الزاهدين يوم القيامة، وأن الفرارين بدينهم يحشرون يوم القيامة مع عيسى ابن مريم، وأن عيسى مر به إبليس يوماً وهو متوسد حجراً وقد وجد لذة النوم فقال له إبليس: يا عيسى أليس تزعم أنك لا تريد شيئاً من عرض الدنيا فهذا الحجر من عرض الدنيا؟ فقام عيسى فأخذ الحجر فرمى به وقال: هذا لك في الدنيا.
وأخرج ابن عساكر عن كعب، أنّ عيسى كان يأكل الشعير، ويمشي على رجليه ولا يركب الدواب، ولا يسكن البيوت، ولا يستصبح بالسراج، ولا يلبس القطن، ولا يمس النساء، ولم يمس الطيب، ولم يمزج شرابه بشيء قط، ولم يبرده، ولم يدهن رأسه قط، ولم يقرب رأسه ولحيته غسول قط، ولم يجعل بين الأرض وبين جلده شيئاً قط إلا لباسه، ولم يهتم لغداء قط، ولا لعشاء قط، ولا يشتهي شيئاً من شهوات الدنيا. وكان يجالس الضعفاء والزمنى والمساكين، وكان إذا قرب إليه الطعام على شيء وضعه على الأرض، ولم يأكل مع الطعام اداماً قط، وكان يجتزئ من الدنيا بالقوت القليل ويقول: هذا لمن يموت ويحاسب عليه كثير.
وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال: بلغني أنه قيل لعيسى ابن مريم: تزوج قال: وما أصنع بالتزويج؟ قالوا: تلد لك الأولاد.
قال: الأولاد إن عاشوا أَفْتَنُوا، وإن ماتوا أَحْزَنُوا.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن شعيب بن إسحاق قال: قيل لعيسى: لو اتخذت بيتاً قال: يكفينا خلقان من كان قبلنا.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن مسيرة قال: لعيسى: ألا تبني لك بيتاً؟ قال: لا أترك بعدي شيئاً من الدنيا أذكر به.
وأخرج ابن عساكر عن أبي سليمان قال: بينا عيسى يمشي في يوم صائف وقد مسه الحر والعطش، فجلس في ظل خيمة، فخرج إليه صاحب الخيمة فقال: يا عبد الله قم من ظلنا. فقام عيسى عليه السلام، فجلس في الشمس وقال: ليس أنت الذي أقمتني إنما أقامني الذي لم يرد أن أصيب من الدنيا شيئاً.
وأخرج أحمد عن سفيان بن عيينة قال: كان عيسى ويحيى عليهما السلام يأتيان القرية فيسأل عيسى عليه السلام عن شرار أهلها، ويسأل يحيى عليه السلام عن خيار أهلها فقال له: لم تنزل عن شرار الناس؟ قال: إنما أنا طبيب أداوي المرضى.
وأخرج أحمد عن هشام الدستوائي قال: بلغني أن في حكمة عيسى ابن مريم عليه السلام: تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل، ويحكم000! علماء السوء. الأجر تأخذون والعمل تضيعون، توشكون أن تخرجوا من الدنيا إلى ظلمة القبر وضيقه، والله عز وجل ينهاكم عن المعاصي كما أمركم بالصوم والصلاة. كيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من آخرته وهو في الدنيا أفضل رغبة؟ كيف يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه وما يضره أشهى إليه مما ينفعه؟ كيف يكون من أهل العلم من سخط واحتقر منزلته وهو يعلم أن ذلك من علم الله وقدرته؟ كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله تعالى في قضائه فليس يرضى بشيء أصابه؟ كيف يكون من أهل العلم من طلب الكلام ليتحدث ولم يطلبه ليعمل به؟
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز عن أشياخه، أن عيسى عليه السلام مرَّ بعقبة أفيق ومعه رجل من حواريه، فاعترضهم رجل فمنعهم الطريق وقال: لا أترككما تجوزان حتى ألطم كل واحد منكما لطمة، فحاولاه فأبى إلا ذاك فقال عيسى عليه السلام: أما خدي فالطمه. فلطمه فخلى سبيله وقال للحواري: لا أدعك تجوز حتى ألطمك فتمنع عليه، فلما رأى عيسى ذاك أعطاه خده الآخر فلطمه، فخلى سبيلهما فقال عيسى عليه السلام: اللهم إن كان هذا لك رضا فبلغني رضاك، وإن كان هذا سخطاً فإنك أولى بالعفو.
وأخرج عبد الله ابنه عن علي بن أبي طالب قال: بينما عيسى عليه السلام جالس مع أصحابه مرت به امرأة؛ فنظر إليها بعضهم فقال له بعض أصحابه: زنيت فقال له عيسى: أرأيت لو كنت صائماً فمررت بشواء فشممته أكنت مفطراً؟ قال: لا.
وأخرج أحمد عن عطاء قال: قال عيسى: ما أدخل قرية يشاء أهلها أن يخرجوني منها إلا أخرجوني. يعني ليس لي فيها شيء قال: وكان عيسى عليه السلام يتخذ نعلين من لحى الشجر، ويجعل شراكهما من ليف.
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز قال: قال المسيح: ليس كما أريد ولكن كما تريد، وليس كما أشاء ولكن كما تشاء.
وأخرج أحمد عن سعيد بن عبد العزيز قال: بلغني أنه ما من كلمة كانت تقال لعيسى عليه السلام أحب إليه من أن يقال هذا المسكين.
وأخرج ابنه عن ابن حليس قال: قال عيسى: إن الشيطان مع الدنيا ومكره مع المال، وتزيينه عند الهوى واستكماله عند الشهوات.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن جعفر بن برقان قال: كان عيسى يقول: اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره، ولا أملك نفع ما ارجو، وأصبح الأمر بيد غيري، وأصبحت مرتهنا بعملي، فلا فقير أفقر مني، فلا تُشْمِت بي عدوّي، ولا تسيء بي صديقي، ولا تجعل مصيبتي في ديني، ولا تُسَلِّطْ عليَّ من لا يرحمني.
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه قال: في كتب الحواريين إذا سلك بك سبيل البلاء فاعلم أنه سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين، وإذا سُلِكَ بك سبيل أهل الرخاء فاعلم أنه سُلِكَ بك غير سبيلهم، وخُولفَ بك عن طريقهم.
وأخرج أحمد عن مالك بن دينار قال: قال عيسى: إنما أبعثكم كالكبَاش تلتقطون خرفان بني إسرائيل، فلا تكونوا كالذئاب الضواري التي تختطف الناسن وعليكم بالخرفان ما لكم تأتون عليكم ثياب الشعر، وقلوبكم قلوب الخنازير، البسوا ثياب الملوك، ولينوا قلوبكم بالخشية. وقال عيسى: يا ابن آدم اعمل باعمال البّر حتى يبلغ عملك عنان السماء، فإن لم يكن حباً في الله ما اغنى ذلك عنك شيئاً. وقال عيسى للحواريين: إن إبليس يريد أن يبخلكم فلا تقعوا في بخله.
وأخرج أحمد عن الحسن بن علي الصنعاني قال: بلغنا أن عيسى عليه السلام قال: يا معشر الحواريين ادع الله أن يخفف عني هذه السكرة- يعني الموت- ثم قال عيسى: لقد خفت الموت خوفاً مخافتي من الموت على الموت.
وأخرج أحمد عن وهب بن منبه، أن عيسى عليه السلام كان واقفاً على قبر ومعه الحواريون وصاحب القبر يدلى فيه، فذكروا من ظلمة القبر ووحشته وضيقه فقال عيسى: قد كنتم فيما هو أضيق منه في أرحام أمهاتكم، فإذا أحب الله أن يوسع وسّع.
وأخرج أحمد عن وهب قال: قال المسيح عليه السلام: أكثروا ذكر الله، وحمده، وتقديسه، وأطيعوه، فإنما يكفي أحدكم من الدعاء إذا كان الله تبارك وتعالى راضياً عليه أن يقول: اللهم اغفر لي خطيئتي، واصلح لي معيشتي، وعافني من المكاره يا إلهي.
وأخرج أحمد عن أبي الجلد، أن عيسى عليه السلام قال للحواريين: بحق أقول لكم: ما الدنيا تريدون ولا الآخرة قالوا: يا رسول الله فسر لنا هذا فقد كنا نرى أنا نريد إحداهما! قال: لو أردتم الدنيا لأطعتم رب الدنيا الذي مفاتيح جزائنها بيده فاعطاكم، ولو أردتم الآخرة أطعتم رب الآخرة الذي يملكها فأعطاكم، ولكن لا هذه تريدون ولا تلك.
وأخرج أحمد عن أبي عبيدة، أن الحواريين قالوا لعيسى: ماذا نأكل؟ قال: تأكلون خبز الشعير، وبقل البرية. قالوا: فماذا نشرب؟ قال: تشربون ماء القراح. قالوا: فماذا نتوسد؟ قال: توسدوا الأرض قالوا: ما نراك تأمرنا من العيش إلا بكل شديد! قال: بهذا تنجون ولا تَحُلّون ملكوت السموات حتى يفعله أحدكم وهو منه على شهوة قالوا: وكيف يكون ذلك؟ قال: ألم تروا أن الرجل إذا جاع فما أحب إليه الكسرة وان كانت شعيراً، وإن عطش فما أحب إليه الماء وإن كان قراحاً، وإذا أطال القيام فما أحب إليه أن يتوسد الأرض.
وأخرج أحمد عن عطاء، أنه بلغه أن عيسى عليه السلام قال: تَرَجَّ ببلاغة، وتيقظ في ساعات الغفلة، واحكم بلطف الفطنة، لا تكن حَلْساً مطروحاً وأنت حي تتنفس.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي هريرة قال: كان عيسى عليه السلام يقول: يا معشر الحواريين اتخذوا بيوتكم منازل، واتخذوا المساجد مساكن، وكلوا من بقل البرية، واخرجوا من الدنيا بسلام.
وأخرج أحمد عن إبراهيم التيمي إن عيسى عليه السلام قال: اجعلوا كنوزكم في السماء فإن قلب المرء عند كنزه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن سعيد الجعفي قال: قال عيسى ابن مريم عليه السلام: بيتي المسجد، وطيبي الماء، وادامي الجوع، وشعاري الخوف، ودابتي رجلاي، ومصطلاي في الشتاء مشارق الشمس، وسراجي بالليل القمر، وجلسائي الزمنى والمساكين، وامسي وليس لي شيء، وأُصبحُ وليس لي شيء، وأنا بخير فمن أغنى مني.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض قال: قال عيسى: بطحت لكم الدنيا، وجلستم على ظهرها، فلا ينازعكم فيها إلا الملوك والنساء. فاما الملوك فلا تنازعوهم الدنيا فإنهم لم يعرضوا لكم دنياهم. وأما النساء فاتقوهن بالصوم والصلاة.
وأخرج ابن عساكر عن سفيان الثوري قال: قال المسيح عليه السلام: إنما تطلب الدنيا لِتُبرَّ فتركها ابرُّ.
وأخرج ابن عساكر عن شعيب بن صالح قال عيسى ابن مريم: والله ما سكنت الدنيا في قلب عبد إلا التاط قلبه منها بثلاث: شغل لا ينفك عناه، وفقر لا يدرك غناه، وأمل لا يدرك منتهاه. الدنيا طالبة ومطلوبة. فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل فيها رزقه، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يجيء الموت فيأخذ بعنقه.
وأخرج ابن عساكر عن يزيد بن ميسرة قال: قال عيسى ابن مريم: كما توضعون كذلك ترفعون، وكما ترحمون كذلك ترحمون، وكما تقضون من حوائج الناس كذلك يقضي الله من حوائجكم.
وأخرج أحمد وابن عساكر عن الشعبي قال: قال عيسى ابن مريم: ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك تلك مكافأة، إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك.
وأخرج ابن عساكر عن ابن المبارك قال: بلغني أن عيسى ابن مريم مر بقوم فشتموه فقال خيراً. ومر بآخرين فشتموه وزادوا فزادهم خيراً. فقال رجل من الحواريين: كلما زادوك شراً زدتهم خيراً كأنهم تغريهم بنفسك! فقال عيسى عليه السلام: كل إنسان يعطي ما عنده.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن أنس قال: مر بعيسى ابن مريم خنزير فقال: مر بسلام. فقيل له: يا روح الله لهذا الخنزيرتقول! قال: أكره أن أعود لساني الشر.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن سفيان قال: قالوا لعيسى ابن مريم، دلنا على عمل ندخل به الجنة قال: لا تنطقوا أبداً قالوا: لا نستطيع ذلك! قال: فلا تنطقوا إلا بخير.
وأخرج الخرائطي عن إبراهيم النخعي قال: قال عيسى ابن مريم: خذوا الحق من أهل الباطل ولا تأخذوا الباطل من أهل الحق، كونوا مُنْتَقِدِي الكلام كي لا يجوز عليكم الزيوف.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الزهد عن زكريا بن عدي قال: قال عيسى ابن مريم: يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا.
وأخرج ابن عساكر عن مالك بن دينار قال: قال عيسى ابن مريم عليه السلام: أكل الشعير مع الرماد، والنوم على المزابل مع الكلاب. لقليل في طلب الفردوس.
وأخرج ابن عساكر عن أنس بن مالك قال: كان عيسى ابن مريم يقول: لا يطيق عبد أن يكون له ربان. أن أرضى أحدهما أسخط الآخر، وإن أسخط أحدهما أرضى الآخر. وكذلك لا يطيق عبد أن يكون خادماً للدنيا يعمل عمل الآخرة. لا تهتموا بما تأكلون ولا ما تشربون، فإن الله لم يخلق نفساً أعظم من رزقها، ولا جسداً أعظم من كسوته فاعتبروا.
وأخرج ابن عساكر عن المقبري، أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول: يا ابن آدم إذا عملت الحسنة فاله عنها فإنها عند من لا يضيعها، وإذا عملت سيئة فاجعلها نصب عينك.
وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن أبي هلال أن عيسى ابن مريم كان يقول: من كان يظن أن حرصاً يزيد في رزقه فليزد في طوله، أو في عرضه، أو في عدد بنائه، أو تغير لونه. ألا فإن الله خلق الخلق فهيأ الخلق لما خلق، ثم قسم الرزق فمضى الرزق فمضى الرزق لما قسم، فليست الدنيا بِمُعطِيَةٍ أحداً شيئاً ليس له، ولا بِمَانِعَةٍ أحداً شيئاً هو لكم، فعليكم بعبادة ربكم فانكم خُلِقْتُمْ لها.
وأخرج ابن عساكر عن عمران بن سليمان قال: بلغني أن عيسى ابن مريم عليه السلام قال لأصحابه: إن كنتم إخواني وأصحابي فوطنوا أنفسكم على العداوة والبغضاء من الناس.
وأخرج أحمد والبيهقي عن عبد العزيز بن ظبيان قال: قال المسيح: من تَعَلَّم وعمل وعَلَّمَ فذلك يدعى عظيماً في ملكوت السماء.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عيسى ابن مريم قام في بني إسرائيل فقال: يا معشر الحواريين لا تُحَدِّثوا بالحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتطلموهم، والأمور ثلاثة: أمر تبين رشده فاتبعوه، وأمر تبين لكم غِيَّهُ فاجتنبوه، وأمر اخْتُلِفَ عليكم فيه فَرُدُّوا علمه إلى الله تعالى».
وأخرج ابن عساكر عن عمرو بن قيس الملائي قال: قال عيسى ابن مريم: إن منعت الحكمة أهلها جهلت، وإن منحتها غير أهلها جهلت. كن كالطبيب المداوي إن رأى موضعاً للدواء وإلا أمسك.
وأخرج عبد الله بن أحمد في الزهد وابن عساكر عن عكرمة قال: قال عيسى ابن مريم للحواريين: يا معشر الحواريين لا تطرحوا اللؤلؤ إلى الخنزير لا يصنع باللؤلؤة شيئاً، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها فإن الحكمة خير من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شر من الخنزير.
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه قال: قال عيسى: يا علماء السوء جلستم على أبواب الجنة. فلا أنتم تدخلونها، ولا تدعون المساكين يدخلونها. أن شرّ الناس عند الله عالم يطلب الدنيا بعلمه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن أبي الجعد قال: قال عيسى ابن مريم عليه السلام: إن مثل حديث النفس بالخطيئة كمثل الدخان في البيت لا يحرقه، فإنه ينتن ريحه ويغير لونه.
قوله تعالى: {والتوراة والإنجيل}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان عيسى يقرأ التوراة والإنجيل.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11